مذكرات

هذا ما تعلمته من الفترة التي قضيتها مع والدتي في مرضها

معتز الجعبريبقلم معتز الجعبري
Calendarنُشر في 10 أكتوبر 2025
Time3 دقائق للقراءة
هذا ما تعلمته من الفترة التي قضيتها مع والدتي في مرضها
تعلمت خلال فترة اقامتي مع والدتي لأعتني بها أن الحب له أشكال وأطياف مختلفة

تعلمت من مرض أمي.. أن للحب أطيافاً بينها مسافات؛ فحب الولد لأبويه لا يرقى إطلاقاً إلى حبهما الممتزج بالتضحية دون منّ، والبذل دون مغالبة النفس، والعطاء دون انتظار الجزاء.

أدركت ذلك عندما نمت في حجرة أمي وقد اشتد عليها المرض، قلت لعلها تحتاجني إذا استيقظت، أو أهدئ من روعها إذا فزعت.

وما إن غفت عيناي حتى بدأت تتقلب وتئن من أوجاع شتى، كنت أستيقظ على كل حركة لها أو أنين، تصبّرت على ذلك نحو ساعتين، ثم نهضت إلى حجرة أخرى لأنال قسطاً من النوم دون منغصات، وضعت رأسي على الوسادة، لكن النوم جفاني عندما تذكرت أنني أسهرت لياليَ أمي وأنا طفل، وبقيت هي إلى جانبي رغم أني نغّصت عليها نومها، وحرمت جسدها المتعب من التزود بالراحة ليوم حافل بالتعب ينتظرها، هي لم ترحل إلى حجرة أخرى كما فعلت أنا.

لقد كررت ذلك معي في ليالٍ لا يعلم عددها إلا الله، وفعلت ذلك مع كل إخواني وأخواتي، كانت تسهر تدثرنا من برد، وتتوجع لأوجاعنا، وتبتهل إلى الله بشفائنا. 

لم يكن ذلك السهر هو فقط ما قدمته لنا، فقد كانت مثل معظم الأمهات تميط أذانا بيديها الطاهرتين، وتغسل أكواماً من ملابسنا المتسخة، وقضت شطر عمرها في المطبخ وهي تتدبر أمر الطعام مع راتب والدي القليل في مطلع حياتنا، ولما توسّع رزق أبي- رحمه الله- توسّع معاشنا؛ فظلت أمي في المطبخ تجود علينا بأصناف الطعام اللذيذ، والحلويات التي تصنعها بشكل يومي.

في أيام ضيق العيش كانا بالكاد يتدبّران شراء ملابس العيد لنا، كم كان يتهلّل وجه أمي عندما تُلبسنا ملابس العيد، وقتها لم نكن نحيط بمعاناة والدي وديونه لتأمين تلك الفرحة، ولم نكن نعرف بأن أمي وأبي في كثير من الأعياد لم يشتريا لنفسيهما شيئاً.

كانت أمي تفعل كل ذلك عن طيب نفس، تقوم به على سجيتها دون تكلف، ودون إعداد مسبق، مضت في تضحياتها تلك دون أدنى تفكير بميزان الربح والخسارة، على العكس من ذلك؛ فقد أوفت ببنود عقد من طرف واحد يعتبره صاحبه ملزماَ له وواجباً عليه؛ بموجب ذلك العقد كانت تبري جسدها لنكبر، وتستهلك صحتها لنقوى، وتستنفد أوقاتها لتبني أعمارنا.

رنّ هاتفي فانقطع حبل أفكاري، كانت زوجتي على الخط، سألتني عن صحة والدتي، وبعدها أخبرتني أن ريما، ابنة أختها وهي أم لأربعة أطفال وتعمل في الوقت نفسه، تطلب مني أن أرقي أصغر أطفالها بآيات القرآن، فهو يعاني من فزع وبكاء شبه متصل بالليل، هرولت به أمه إلى ثلاثة أطباء فلم يجدوا أي مشاكل عضوية، لقد حرم أمه من النوم ليال متتالية، هي تقول: "أنا مش مشكلة، المهم طارق يصير تمام" لقد ذكّرني تفاني هذه الأم الشابة وتضحياتها بأمي، وبمعظم أمهات العالم اللواتي يعانقن أشجاراً شائكة يسقينها بدمائهن فتورق وتزهر وتثمر.

360

فريق أمهات 360

المساعد الذكي يستخدم معلومات من أكثر من 250 طبيب واخصائي للإجابة على أسئلتك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

شارك المقال

App Screenshot

انت لست وحدك ، نحن معك خطوة بخطوة.

حمّلي التطبيق الآن وانضمي إلى مجتمع يضم أكثر من 500,000 أم، ليكنّ سندك ودعمك في رحلة الأمومة.